التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الشّيخ نجيب الحدّاد رائد المنهج المقارِن في الأدب (1867– 1899)


كوّنت ثقافات النّاس وحضاراتهم على مرّ العصور مدنيّة عالميّة واحدة. فالاقتباس تبادل بين الأمم، والأنظمة الاجتماعيّة والسّياسيّة أبدًا في حراك يبعث التّجدّد في جميع المجالات، وهذا التّفاعل هو أحد أبرز مظاهر تطوّر الأمم. وغنيّ عن البيان أنّ التّجديد في الأدب النّهضويّ في الشّرق لم يتمّ دفعة واحدة ولا كان وليد ساعة محدّدة، فمنذ النّصف الأوّل من القرن التّاسع عشر إلى أيّامنا، مرّ الأدب بمراحل متعدّدة، وتطوّر من التّقليد إلى الخضرمة فالتّجديد.

 إنّ هذا البحث لا يهدف إلى تأريخ المراحل، ولا إلى استعراض أنواع التّجديد وذكر الأدباء والشّعراء الذين أسهموا في نشر العلم وإضاءة الطريق أمام النّاس في مختلف الميادين؛ وإنّما يسلّط الضّوء على الشّيخ نجيب الحدّاد، وهو واحد من الأدباء المجلّين، وعلَم من أعلام النّهضة العربيّة الأولى، شاعر وصحافيّ وروائيّ وأديب ومُترجم، قرض الشّعر شابًا فأجاد وتلألأ، وأنشأ مجلّةً وكتب في الجرائد والمجلاّت، فكان الوطنيَّ الغيور والمبصرَ الحكيم والمصلِحَ المرشد، وكتب الرّواية شعرًا ونثرًا فبرز مجدّدًا في طليعة المجدّدين، وجال في ميادين الأدب فاغترف من علوم العرب والغربيّين، وكان الباحثَ والمحلّلَ والنّهضويَّ والناقد والمعلّم، وعرّب أعمالًا أدبيّة كثيرة من الفرنسيّة باتت بمتناول الطّلّاب.

ويلَذّ البحث عندما نكتشف في أدب الشّيخ نجيب الحدّاد، علاوةً على غزارة نتاجه الشّعريّ والأدبيّ والرّوائيّ والصّحافيّ، ريادتَه في مجال البحث الأدبيّ، بحيث يمكن أن يُعدّ من أوائل الباحثين العرب في المنهج المقارِن في الأدب، وله في هذا المجال ثلاث مقالات فريدة نشرتها له مجلّة "البيان" سنة 1897. فكيف قارب نجيب الحدّاد المقارنة الأدبيّة؟ وأيّ منهج اعتمد فيها؟ وهل كان لبحثه أثر في المنهج المقارن في الأدب العربيّ؟
لقد ارتأينا أن نتناول بالبحث أوّلًا سيرة نجيب الحدّاد وأعماله الأدبيّة، إلى جانب الرّواية المترجمة والمؤلَّفة، ونجول بين آثاره الصّحافيّة والأدبيّة. ثمّ نستعرض باختصار نماذج من شعره الوطنيّ والاجتماعيّ والوصفيّ والغزليّ، وصولًا إلى ما يمكن أن يُعَدّ طليعةَ البحوث في المنهج المقارِن في الأدب في انطلاق عصر النّهضة. لذا كان لا بدّ من اتّباع منهجيّة تحليليّة ونقديّة للكشف عن جوانب واسعة من إبداعاته، وللتّعمّق في الأفكار الّتي طرحها وحاول إرساءها في المجتمع العربيّ، ولاستقصاء الأساليب اللغويّة والأدبيّة الّتي استخدمها.
عسى أن يكون هذا البحث مقدّمة لأعمال أخرى من أدبائنا الّذين حملوا مشعل العلم وطافوا يوقظون الشّرق من سُباته ويعلّمون بنيه، وأقوالهم بقيت تصلح حتّى اليوم. فهل لنا عودة إلى الأصالة، نستقي من القيم الّتي آمنوا بها مددًا للمستقبل، ونكتشف في الظّلال بذور زهور زرعوها، فيعطّر أريجها درب يومنا الآتي؟!

                                                                                إضغط هنا لقراءة كامل البحث
    





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلاقة بين الأدب العربيّ والأدب اليونانيّ

A mediaeval Arab depiction of Aristotle teaching astronomy to other Greek scholars           مقدّمة           إذا نظرنا إلى الحضارة الإنسانيّة بمفهومها الشّامل نجد أنّه لم تقُم إلى الآن، في الشّرق والغرب والشّمال والجنوب، سوى "مدنيّةٍ إنسانيّة واحدةٍ كبرى"، جمعت ثقافات النّاس وحضاراتهم على مرّ العصور. ذلك أنّ التّأثّر والتّأثير والاقتباس تبادلٌ بين الأمم، والأنظمة الاجتماعيّة والسّياسيّة أبدًا في تفاعل، وهذا من بواعث التّجدّد في العلوم والأفكار والآداب والفنون التي تعكس التّطوّر الإنسانيّ. لقد حظيت الحضارة اليونانيّة باهنمام الشّعوب المُجاورة منذ أقدم العصور، وكان تأثيرها عظيمًا في ميادين مُختلفة. وإذا كانت فتوحات الإسكندر في القرن الرّابع قبل الميلاد قد أتاحت للعرب أوّل اتّصال بالثّقافة اليونانيّة، غير أنّ أثر هذا التّلاقي لم يظهر إلاّ خلال النّهضة العبّاسيّة، وبخاصّة في عهد المأمون، إذ راح مُترجمون رهبان في الرّها وجُنديسابور وحرّان وغيرها ينقلون العديد من مؤلّفات اليونان، عبر ترجمة إلى السّريانيّة ...

المنحى الإيديولوجي في مذكّـرات الأرقـش. ميخائيل نعيـــمة

المنحى الإيديولوجي في مذكّـرات الأرقـش (ميخائيل نعيـــمة) مقدّمـــة لعلّ رواية " مذكّرات الأرقش " تشكّل السّتار الأمثل الذي يتوارى وراءه ميخائيل نعيمه ، فيمرّر ما يشاء من أفكار وآراء وأيديولوجيّات، من دون أن يبدوَ ذلك وعظًا وإرشادًا أو تعليمًا سافرًا ومباشرًا. وهو يروي من دون أن يتدخّل في مجريات الأحداث، وبذلك يتجنّب السّقوط في فخّ "الأنا" الذي قد يجرّ إلى سوء فهم الأفكار التي يريد الإيحاء بها، ويمنع تداخلها وشخصيّةَ بطل الرّواية، وسيرَ العمل السّرديّ. وبالرّغم من أنّ نعيمه يحاول فصل "الأنا" السّرديّ عن "الأنا" الأديب، إلّا أنّ اصطناع ضمير الغائب "الهو" في الخدعة السّرديّة لا يلغي دور الأفكار التي يبثّها، نقلًا عن مذكّرات الأرقش التي يروي أنّه قرأها. في خاتمة الرّواية يظهر نعيمة بضمير "الأنا"، فيخاطب الأرقش وجهًا لوجه، وإذا الأفكارُ تتلاقى، والرّؤى تتعانق. "والأشواق والرّؤى لا بدّ لها من ترجمان، والتّرجمان لا بدّ له من قلم أو من لسان". ويختم نعيمة رسالته إلى "أرقشٍ" لا بدّ من أن يكون في مكا...

جبران: نحن وأنتم

كتاب الدّكتور متري سليم بولس " جبران: نحن وأنتم" من منشورات معهد الآداب الشّرقيّة في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في جامعة القدّيس يوسف - بيروت ضمن سلسلة "آداب وحضارات" 2، عام 2011 ، وهو يقع في 143 صفحة، ويتضمّن ثمانية أبحاث تتناول بيئات جبران وحياته ومؤلّفاته وأدبه بعامّة. 1.       الأبحاث الخمسة الأولى -        بيئات جبران. -        معالم سيرة جبران. -        مؤلّفات جبران العربيّة -        مؤلّفات جبران الإنكليزيّة. -        تحليل مقالة جبران "نحن وأنتم". 2.       البحث السّادس -        الوحدة. -        الإبداع والليل في أدب جبران. 3.       البحث السّابع -        أثر الهند في حياة جبران وأدبه. 4.       ...