التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جبران: نحن وأنتم





كتاب الدّكتور متري سليم بولس "جبران: نحن وأنتم" من منشورات معهد الآداب الشّرقيّة في كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في جامعة القدّيس يوسف - بيروت ضمن سلسلة "آداب وحضارات" 2، عام 2011 ، وهو يقع في 143 صفحة، ويتضمّن ثمانية أبحاث تتناول بيئات جبران وحياته ومؤلّفاته وأدبه بعامّة.
1.      الأبحاث الخمسة الأولى
-       بيئات جبران.
-       معالم سيرة جبران.
-       مؤلّفات جبران العربيّة
-       مؤلّفات جبران الإنكليزيّة.
-       تحليل مقالة جبران "نحن وأنتم".

2.      البحث السّادس
-       الوحدة.
-       الإبداع والليل في أدب جبران.

3.      البحث السّابع
-       أثر الهند في حياة جبران وأدبه.

4.      البحث الثّامن
-       ماذا بقي من جبران بعد مئة وخمسة وعشرين عامًا على ولادته؟

أوّلًا. الأبحاث الأولى
أ‌.     بيئات جبران.
في البحث الأوّل يذكر الكاتب ثلاث بيئات عاش فيها جبران وأثّرت في شخصيّته وأدبه:
- لبنان حيث ولد في العام 1883 كان يرزح تحت وطأة الاحتلال العثماني. وكان نظامه قائمًا على التّبعيّة التّركيّة والخضوع المباشر لاستغلال الإقطاع وسيطرة رجال الدّين. حاربه جبران في قصصه الأولى وبخاصّة في الأرواح المتمرّدة والأجنحة المتكسّرة، وفي الكثير من مقالات كتابَيه: دمعة وابتسامة، والعواصف. أظهر جبران للبنان وجهًا آخر مشرقًا أحبّه وتأثّر به هو الطّبيعة اللبنانيّة. واهتمّ بالأدب والفكر العربيّين وألمّ بمناحي النّهضة الثّقافيّة.
- بوسطن عام 1895 (الولايات المتّحدة الأميركيّة)، حيث أخذ في دراسة اللغة الإنكليزيّة ومطالعة الأدب والتّاريخ والميثولوجيا والفلسفة. وقد عاش في هذه البيئة الثانية ردحًا طويلًا (1911-1931).
- باريس الّتي أحبّها وأعجب بحضارتها وأدبائها ومفكّريها وفنّانيها.


ب‌.    معالم سيرة جبران (1883-1931).
عاش في بشرّي منذ ولادته عام 1883 حتّى 1894. والده خليل جبران، ووالدته كاملة رحمة. إخوته: بطرس ومريانا وسلطانة. تردّد جبران إلى مدرسة القرية. ثمّ هاجر مع أمّه وأخيه وأختيه إلى بوسطن عام 1895 حيث التحق بمدرسة كوينسي وتعلّم اللغة الإنكليزيّة وتفتّحت موهبته في الرّسم. بين 1896 و 1898 التقى وِفرد هولاند داي الّذي طلب من جبران أن يضع رسومًا لغلافات بعض منشوراته. وتعرّف إلى الكاتبة الأميركيّة جوزفين بيبودي ورسمها. وما لبث أن عاد إلى لبنان عام 1898 ليدرس في معهد الحكمة فأمضى فيه أربعة أعوام حتّى 1902. ثمّ عاد إلى بوسطن وأقام معرضًا لرسومه في محترف فرد هولاند داي عام 1904 حيث تعرّف إلى ماري هاسكل وشارلوت تيلر وإملي ميشال.


ج. مؤلّفات جبران العربيّة والإنكليزيّة
نشر أولى مقالاته في جريدة المهاجر لصاحبها أمين الغريّب. وصدر كتابه الأوّل "الموسيقى" عام 1905. ثمّ مجموعته القصصيّة الأولى "عرائس المروج" عام 1906. وفي العام 1908 سافر إلى باريس على نفقة ماري هاسكل ليدرس الرّسم. فتأثّر بالمدرسة الرّمزيّة وتعمّق بالفلسفة واللاهوت وتأثّر بنيتشه ورنان. وصدرت مجموعته "الأرواح المتمرّدة" (1908). "الأجنحة المتكسّرة" (1912). "دمعة وابتسامة" (1914). "المجنون" (1918). "المواكب" (1919). "السّابق" و "العواصف" (1922) "النّبيّ" و "البدائع والطّرائف" (1923). "رمل وزبد" (1926). "يسوع ابن الإنسان" (1928). "آلهة الأرض" (1931). وتوفّي في العام نفسه. وصدر له بعد وفاته كتاب "حديقة النّبيّ" عام 1933.  


د. تحليل مقالة جبران "نحن وأنتم"
أورد الكاتب المقالة كاملة، ثمّ قال إنّ العنوان يدلّ على الثّنائيّة القائمة بين "نحن" و"أنتم"، وما يلي العنوان في المطلع من ثنائيّة معلَنة هي ثنائيّة معارضة وتضادّ بين الكآبة والمسرّات. وهذه العلاقة هي بينه وبين جماعة يعارضها ولا يقبل أن يكون بعضًا منها. ويتحدّث عن حقلين معجميّين: الكآبة والمسرّات. فيفصّلهما كالآتي:
-       الكآبة: نبكي، الدّموع، الحزن والحزينة، تنهّد وتنهّدات، ننتحب، صراخ.
-       المسرّات: تبتسمون والمبتسمة، السّرور، قهقهة، الخلوّ، الضّاحكون، الملاهي.
ثم يستعرض وظيفة الضّمائر المتّصلة والمنفصلة، وتواتر الأفعال، والوظيفة الإيعازيّة، والموازنة داخل المقاطع كوحدات كبرى، وبين الجمل كوحدات صغرى، والتّوقيعات، بخاصّة حين يقارن مآتي أبناء الكآبة بأعمال أبناء المسرّات:
أنتم تتبعون الملاهي/ وأظافر الملاهي / مزّقت...
ونحن نلاحق السّكينة / وأصابع السّكينة / نسجت...
أنتم تضاجعون الشّهوات / وعواصف الشّهوات/ جرفت...
       ويظهر الإيقاع كما في:
قد صلبتم النّاصريّ / قد سمّمتم سقراط / ورجمتم بولس / وقتلتم غليلو / وفتكتم بعليّ / وخنقتم مدحت...

هـ. الوحدة. الإبداع والليل في أدب جبران
الوحدة تعني في بعض ما تعنيه الانفراد وعدم الاختلاط بالآخرين. وهو ما يريده جبران ويمثّله الرّاوي في "الأجنحة المتكسّرة". وفي عمق المعنى ارتباط بكيان الإنسان وهويّته. وإذا عطفنا مبدأ الوحدة على مبدإ الحلوليّة أدركنا وظيفة الوحدة: حلوليّة الله في الإنسان والكون والطّبيعة؛ المتوحّد المتأمّل يكتشف آثار الله فيه وفي الكون من حوله. الإنسان إذ يبتعد عن المجتمع ينأى عن النّواميس الاجتماعيّة الّتي سنّها الإنسان للإنسان. وخاطب جبران الليل فرآه ظلامًا يرينا أنوار السّماء، والنّهار نورًا يغمرنا بظلمة الأرض. ولعلّ في ليل جبران دلالة أعمق من الدّلالة الزّمنيّة. وما قاده إلى الوحدة والليل إبداع داخليّ لا يظهر إلّا في الوحدة والاختلاء بالذّات.

و. أثر الهند في حياة جبران وأدبه
كان جبران مؤمنًا بعقيدة التّقمّص الهنديّة، وقوامها أنّ روح الإنسان الواحدة الأزليّة الّتي لا بداية لها، والأبديّة الّتي لا نهاية لها، تتجسّد مرارًا فيكون لها عدّة أعمار.
والدّلالة الثّانية ما ذكره ميخائيل نعيمة أنّ جبران "صار يخجل من أن يكون مسقط رأسه بلدة صغيرة كبشرّي في بلد صغير كلبنان. ويحسب أنّ من كان مثله يجب أن تكون ولادته ملتحفة بلحاف من السّرّ والسّحر. وأيّ البلاد أكثر سحرًا وسرًّا من بلاد الهند؟ لذلك عندما طلب إليه نسيب عريضة مرّة بعض معلومات عن حياته لينشرها في مجلّة الفنون قال له إنّه وُلد في بومباي – الهند، إنّما لا يهمّه أن يشيع السّرّ بين النّاس. ولا بأس لو وضعه نسيب عريضة بين هلالين. وهكذا كان. فقد ظهرت تلك المعلومات في "الفنون" وهي تقول إنّ جبران "ولد سنة 1883 في بشرّي من أعمال لبنان (ويقال بل في بومباي – الهند)".
مظهر آخر من مظاهر تأثّره بالهند اعتماره العِمامة الهنديّة. وفي أقصوصة "رماد الأجيال والنّار الخالدة" نقع على أفكار هنديّة تعود إلى الولادة المصحوبة بتجارب الأعمار السّابقة...


ز. ماذا بقي من جبران بعد مئة وخمسة وعشرين عامًا على ولادته؟
ذكر جبران في حديث له مع ماري هاسكل أنّه يرى أبعد من ألف عام في المستقبل. فهل ما تزال آراء جبران صالحة إلى عصرنا؟ وإلى أيّ قدر ما يزال الدّواء الّذي وصفه لمعالجة تلك القضايا بل الأمراض ناجعًا في أيّامنا؟
-       درس جبران كان صالحًا في عصره وهو صالح في يومنا هذا.
-       جبران دعا إلى نبذ الطّائفيّة الذّميمة في عصره. وما زلنا ندعو إلى نبذها اليوم.
-       الفساد في مجتمع لبنان أيّام جبران لا يزال عميمًا في يومنا هذا وما زلنا نريد إزالته.
-       الإبداع الّذي نشده جبران ما زال هو هو ننشده كلّ يوم.
-       الدّعوة إلى العمل ما زالت قائمة.
ويختم الكاتب بكلام لنعيمه أنّ الإرث الّذي تركه جبران غنيّ ينبغي أن نستمتع به كاملاً. وأنّ أدب جبران نعمة وثورة عنيفة جامحة هزّت كيان الأدب العربيّ هزًّا.

في هذا الكتاب يطّلع القارئ على طريقة تحليل تتناول الحقول المعجميّة ودلالاتها وعلاقة بعضها ببعض، وفيه  يكتشف الإيقاع والموازنة داخل المقاطع كوحدات كبرى وبين الجمل كوحدات صغرى، والتّوقيعات، ووظائف الضّمائر المتّصلة والمنفصلة، وتواتر الأفعال، ووظائف الكلام... وكذلك يتعرّف أكثر إلى فكر جبران واعتناقه معتقد التّقمّص ووحدة الوجود، علاوة على فكره وثورته الّتي تصلح اليوم كما كان في عهده.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلاقة بين الأدب العربيّ والأدب اليونانيّ

A mediaeval Arab depiction of Aristotle teaching astronomy to other Greek scholars           مقدّمة           إذا نظرنا إلى الحضارة الإنسانيّة بمفهومها الشّامل نجد أنّه لم تقُم إلى الآن، في الشّرق والغرب والشّمال والجنوب، سوى "مدنيّةٍ إنسانيّة واحدةٍ كبرى"، جمعت ثقافات النّاس وحضاراتهم على مرّ العصور. ذلك أنّ التّأثّر والتّأثير والاقتباس تبادلٌ بين الأمم، والأنظمة الاجتماعيّة والسّياسيّة أبدًا في تفاعل، وهذا من بواعث التّجدّد في العلوم والأفكار والآداب والفنون التي تعكس التّطوّر الإنسانيّ. لقد حظيت الحضارة اليونانيّة باهنمام الشّعوب المُجاورة منذ أقدم العصور، وكان تأثيرها عظيمًا في ميادين مُختلفة. وإذا كانت فتوحات الإسكندر في القرن الرّابع قبل الميلاد قد أتاحت للعرب أوّل اتّصال بالثّقافة اليونانيّة، غير أنّ أثر هذا التّلاقي لم يظهر إلاّ خلال النّهضة العبّاسيّة، وبخاصّة في عهد المأمون، إذ راح مُترجمون رهبان في الرّها وجُنديسابور وحرّان وغيرها ينقلون العديد من مؤلّفات اليونان، عبر ترجمة إلى السّريانيّة ...

المنحى الإيديولوجي في مذكّـرات الأرقـش. ميخائيل نعيـــمة

المنحى الإيديولوجي في مذكّـرات الأرقـش (ميخائيل نعيـــمة) مقدّمـــة لعلّ رواية " مذكّرات الأرقش " تشكّل السّتار الأمثل الذي يتوارى وراءه ميخائيل نعيمه ، فيمرّر ما يشاء من أفكار وآراء وأيديولوجيّات، من دون أن يبدوَ ذلك وعظًا وإرشادًا أو تعليمًا سافرًا ومباشرًا. وهو يروي من دون أن يتدخّل في مجريات الأحداث، وبذلك يتجنّب السّقوط في فخّ "الأنا" الذي قد يجرّ إلى سوء فهم الأفكار التي يريد الإيحاء بها، ويمنع تداخلها وشخصيّةَ بطل الرّواية، وسيرَ العمل السّرديّ. وبالرّغم من أنّ نعيمه يحاول فصل "الأنا" السّرديّ عن "الأنا" الأديب، إلّا أنّ اصطناع ضمير الغائب "الهو" في الخدعة السّرديّة لا يلغي دور الأفكار التي يبثّها، نقلًا عن مذكّرات الأرقش التي يروي أنّه قرأها. في خاتمة الرّواية يظهر نعيمة بضمير "الأنا"، فيخاطب الأرقش وجهًا لوجه، وإذا الأفكارُ تتلاقى، والرّؤى تتعانق. "والأشواق والرّؤى لا بدّ لها من ترجمان، والتّرجمان لا بدّ له من قلم أو من لسان". ويختم نعيمة رسالته إلى "أرقشٍ" لا بدّ من أن يكون في مكا...

أخطاء لغويّة شائعة: دليلٌ عمليّ لتصويب ألسنتنا وأقلامنا

  📘 أخطاء لغويّة شائعة دليلٌ عمليّ لتصويب ألسنتنا وأقلامنا بقلم د. منير معلوف في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة النّشر، وتختلط فيه مستويات الخطاب بين المنطوق والمكتوب، تزداد الحاجة إلى مرجعٍ موثوق يعيد للّغة العربيّة نقاءها ودقّتها. من هنا، يأتي كتاب «أخطاء لغويّة شائعة» ليكون رفيق كلّ غيور على سلامة لغة الضّاد، من صحافيّين وكتّاب ومدرّسين ومدوّنين وطلّاب. ترتيب ألفبائي واضح يقدّم الكتاب تصحيحات مبنيّة على قاعدة «يُقال / لا يُقال» مع شروحات مختصرة تشرح الخطأ وتعرض الصواب، بأسلوب مبسّط يُسهل الرجوع إليه. تعليل لغوي دقيق وميسّر لكلّ تصويب شرحٌ علميّ مقتضب، يعرض القاعدة بلغة يفهمها غير المتخصّص، من دون التّفريط في الدقّة العلميّة. ملحق غنيّ بالفوائد يضمّ تنبيهات إملائيّة، وأمثلة على كلمات متشابهة الشّكل مختلفة المعنى، والأسماء التي يكثر الخطأ في تذكيرها أو تأنيثها، وغير ذلك من العثرات الشّائعة. مرجع موثوق الاستناد إلى عشرات المراجع اللغويّة الأصيلة والمجامع العربيّة المعتمدة، جامعًا بين أمانة النّقل ووضوح العرض. إنه كتاب لا غنى عنه لكلّ من يكتب أو يحر...