الجمعة، 23 يناير 2015

الشّيخ نجيب الحدّاد رائد المنهج المقارِن في الأدب (1867– 1899)


كوّنت ثقافات النّاس وحضاراتهم على مرّ العصور مدنيّة عالميّة واحدة. فالاقتباس تبادل بين الأمم، والأنظمة الاجتماعيّة والسّياسيّة أبدًا في حراك يبعث التّجدّد في جميع المجالات، وهذا التّفاعل هو أحد أبرز مظاهر تطوّر الأمم. وغنيّ عن البيان أنّ التّجديد في الأدب النّهضويّ في الشّرق لم يتمّ دفعة واحدة ولا كان وليد ساعة محدّدة، فمنذ النّصف الأوّل من القرن التّاسع عشر إلى أيّامنا، مرّ الأدب بمراحل متعدّدة، وتطوّر من التّقليد إلى الخضرمة فالتّجديد.

 إنّ هذا البحث لا يهدف إلى تأريخ المراحل، ولا إلى استعراض أنواع التّجديد وذكر الأدباء والشّعراء الذين أسهموا في نشر العلم وإضاءة الطريق أمام النّاس في مختلف الميادين؛ وإنّما يسلّط الضّوء على الشّيخ نجيب الحدّاد، وهو واحد من الأدباء المجلّين، وعلَم من أعلام النّهضة العربيّة الأولى، شاعر وصحافيّ وروائيّ وأديب ومُترجم، قرض الشّعر شابًا فأجاد وتلألأ، وأنشأ مجلّةً وكتب في الجرائد والمجلاّت، فكان الوطنيَّ الغيور والمبصرَ الحكيم والمصلِحَ المرشد، وكتب الرّواية شعرًا ونثرًا فبرز مجدّدًا في طليعة المجدّدين، وجال في ميادين الأدب فاغترف من علوم العرب والغربيّين، وكان الباحثَ والمحلّلَ والنّهضويَّ والناقد والمعلّم، وعرّب أعمالًا أدبيّة كثيرة من الفرنسيّة باتت بمتناول الطّلّاب.

ويلَذّ البحث عندما نكتشف في أدب الشّيخ نجيب الحدّاد، علاوةً على غزارة نتاجه الشّعريّ والأدبيّ والرّوائيّ والصّحافيّ، ريادتَه في مجال البحث الأدبيّ، بحيث يمكن أن يُعدّ من أوائل الباحثين العرب في المنهج المقارِن في الأدب، وله في هذا المجال ثلاث مقالات فريدة نشرتها له مجلّة "البيان" سنة 1897. فكيف قارب نجيب الحدّاد المقارنة الأدبيّة؟ وأيّ منهج اعتمد فيها؟ وهل كان لبحثه أثر في المنهج المقارن في الأدب العربيّ؟
لقد ارتأينا أن نتناول بالبحث أوّلًا سيرة نجيب الحدّاد وأعماله الأدبيّة، إلى جانب الرّواية المترجمة والمؤلَّفة، ونجول بين آثاره الصّحافيّة والأدبيّة. ثمّ نستعرض باختصار نماذج من شعره الوطنيّ والاجتماعيّ والوصفيّ والغزليّ، وصولًا إلى ما يمكن أن يُعَدّ طليعةَ البحوث في المنهج المقارِن في الأدب في انطلاق عصر النّهضة. لذا كان لا بدّ من اتّباع منهجيّة تحليليّة ونقديّة للكشف عن جوانب واسعة من إبداعاته، وللتّعمّق في الأفكار الّتي طرحها وحاول إرساءها في المجتمع العربيّ، ولاستقصاء الأساليب اللغويّة والأدبيّة الّتي استخدمها.
عسى أن يكون هذا البحث مقدّمة لأعمال أخرى من أدبائنا الّذين حملوا مشعل العلم وطافوا يوقظون الشّرق من سُباته ويعلّمون بنيه، وأقوالهم بقيت تصلح حتّى اليوم. فهل لنا عودة إلى الأصالة، نستقي من القيم الّتي آمنوا بها مددًا للمستقبل، ونكتشف في الظّلال بذور زهور زرعوها، فيعطّر أريجها درب يومنا الآتي؟!

                                                                                إضغط هنا لقراءة كامل البحث