العنبر: أنواعه وأهميته التاريخية والعلمية
أنواع العنبر
العنبر ينقسم إلى نوعين رئيسيين:
النوع الأول: قيء الحوت
هذا النوع يُعرف بقيء حوت العنبر (الاسم العلمي: Physeter macrocephalus)، وهو حوت يعيش في المحيطات ويتغذى على المخلوقات البحرية. يتميز برأسه الضخم، وقد يصل طول الذكر إلى 20 مترًا. يُستخدم هذا العنبر في صناعة أفضل وأغلى أنواع العطور.
- أجود الأنواع: الأشهب، يليه الأزرق، ثم الأصفر.
- أقل جودة: الأسود.
النوع الثاني: العنبر النباتي
هو مادة صمغية لزجة تفرزها الأشجار الصنوبرية، تختلط بها الحشرات، العناكب، النباتات، وغبار الطلع. يحتوي على زيوت التربنتين، الأحماض، الكحول، ومواد عضوية مركبة. مع مرور الزمن، تتبخر هذه المواد وتتأكسد، فتتحول إلى مادة شبه متحجرة تُسمى "كوﭘال" (copal). بعد ملايين السنين (1-4 ملايين سنة)، ومع الضغط والحرارة المناسبين، يتحول الكوﭘال إلى عنبر.
خصائص العنبر وانتشاره
يتميز العنبر بقدرته على الطفو على المياه المالحة، ويوجد في مناطق عديدة من العالم. على سبيل المثال:
- العنبر البلطيقي: يُجمع من شواطئ بحر البلطيق، وقد يكون مدفونًا في قاع البحر بفعل التغيرات الجيولوجية. تطفو القطع على السطح مع حركة القاع وتُقذف إلى الشواطئ.
- العنبر اللبناني: يوجد مدفونًا في طبقات أرجيلية تحميه من التلف.
العنبر اللبناني: ذاكرة التاريخ الطبيعي
يُعد العنبر اللبناني من أهم أنواع العنبر عالميًا، لأنه يوثق التنوع البيولوجي الأولي للحشرات والنباتات من العصر الطبشوري إلى الجوراسي، وهي الفترة التي شهدت وجود الديناصورات. يُقدر عمره بـ130 إلى 150 مليون سنة، مما يجعله الأقدم على الأرض.
اكتشفنا مؤخرًا موقعين جديدين للعنبر الأحفوري في مرتفعات بسكنتا وبقعتوتا، وهما الموقعان رقم 27 و28 في لبنان. هذه الاكتشافات تُثري معرفتنا بالتنوع البيولوجي والبيئة القديمة للساحل الشمالي الشرقي لقارة غوندوانا.
أهمية العنبر اللبناني
- يوثق تطور سلالات الحشرات واختفاء بعض المجموعات القديمة.
- يحفظ بقايا نباتات نادرة.
- يُستخدم في الدراسات العلمية لفهم التاريخ الطبيعي.
تاريخ البحث عن العنبر اللبناني
بدأ الاهتمام العلمي بالعنبر اللبناني في التسعينات مع الدكتور رئيف ملكي والدكتور جورج بوينر من جامعة كاليفورنيا. في عام 2001، نشر الدكتور ملكي كتابه "العنبر اللبناني: أقدم نظام إيكولوجي للحشرات في الصمغ المتحجر".
تاريخيًا، كان الفينيقيون يتاجرون بالعنبر، مقايضين إياه بالبرونز في رحلاتهم البحرية. كما تغنى الشعراء اللبنانيون بجماله ورائحته التي تشبه البخور، واعتبره البعض مادة سحرية أو شفائية.
خصائص العنبر اللبناني
- يتميز بألوان متعددة، لكنه هش وعرضة للتفتت.
- لا يصلح للزينة، واستخراجه يتطلب دقة لتجنب التكسر.
- قيمته الأساسية علمية، كونه مخزنًا للتاريخ الطبيعي.
تعريف العنبر علميًا
يقول البروفيسور داني عازار: "العنبر في علم الباليونتولوجيا هو الصمغ النباتي المتحجر، ويُعرف بالكهرمان، وهي كلمة فارسية من أصل يوناني تعني الكهرباء، لأن حكه يولد شحنة كهربائية."
تختلف دلالات الكلمة حسب اللغات:
- بالألمانية: "الحجر الذي يحترق".
- بالروسية: "ينطار"، مشتقة من الفينيقية (تعني الطلاسم).
مبادرات ثقافية
نسعى في الحركة الثقافية في بسكنتا، بتوجيه من الأستاذ فرنسوا حبيقة، لإقامة معرض في ربيع 2022 لعرض المتحجرات والعنبر المكتشف في بسكنتا وبقعتوتا. سيشارك في المعرض البروفيسور داني عازار والدكتورة سيبال مقصود، مع محاضرات عن الاكتشافات. كما نستكمل بحوثنا في لجنتي السياحة والبيئة، ونوثق الزهور المحلية مع الأستاذ رامي معلوف.
الهوامش
[1] قارة غوندوانا: قارة قديمة ضمت أمريكا الجنوبية، إفريقيا، المنطقة العربية، مدغشقر، الهند، أستراليا، والقارة القطبية الجنوبية. تشكلت قبل 600 مليون سنة وتفككت تدريجيً مسائلها عازار: خبير عالمي في دراسة الحشرات الأحفورية، رئيس المجتمع العالمي لدراسة الحشرات المتحجرة، واكتشف 400 موقع للعنبر في لبنان.
تعليقات
إرسال تعليق